يغنّي الرحّل المغاربة في المغرب الشرقي كلّ مساء عند النوم، أو أثناء الشغل، و حينما ينصبون خيامهم، و لهم صوت حنون مؤثّر، و في أثناء الاستراحة يغنّون شعراً باخوسيّاً و غزليّاً . لكن حينما يعملون تحت شمس حارّة أو حينما يتعرّضون لبرد قارس لأجل التخييم أو بناء المنزل للإنسان أو للحيوان، يدعون قوّة الله لمساعدتهم و لذلك يحتاجون لشعر في طابع ديني أو صوفي يغنّونه للتغلّب على قساوة شغلهم، و عليه فإنّ اختيارهم يقع غالباً على قصيدة واحدة تعرف باسم قصيدة راس الميّت . إنّهم يحبّون بعشق هذه القصيدة التي يتغنّون بها سواء بمساعدة غيطة أو بدونها إذا كان صوت المغنّي شيّقاً إلى حدّ أنّه يبكي مستمعيه و يبكي هو نفسه . و يغنّي الطلبة المغاربة أيضاً هذه القصيدة أثناء عطلتهم، و من المعلوم أنّ للطلبة مكاناً حسناً حيث يجتمعون، إنه ناد تقريباً، و حينما يرغبون في التسلّي يغنّونها مكوّنين بذلك جوقةً حقيقية، بعضهم يصفّق بيده، أو يضرب على طار، و بعضهم يرقص، و البعض الآخر يغنّي، و أخيراً يوقّع بعضهم على آلات الموسيقى، و في الغالب يكون لديهم نوع من الماندولين أو القيثار أو الكَنبري، و لا ينبغي نسيان أنّ مدّاحين يتردّدون من دشرة إلى أخرى و من قبيلة لأخرى للتغنّي بهذه القصيدة و كثيراً ما يلقون جمهوراً من الهواة و يحصلون على نجاح باهر
و بنفس الأغنية تتغنّى نساء الرحّل في المغرب الشرقي . إنّهنّ يذهبن مراراً لغسل الثياب في الوادي، و للتسلية يغنين متغلّبات بذلك على جهدهنّ القاسي، و كذلك حينما ينكببن على مهنتهنّ في النسج فإنّهنّ يتشرّفن بإنشاد كلمات هذه القصيدة الجميلة التي لا تتناول إلاّ أموراً ربّانية و التي هي بالنسبة لجميع المؤمنين سلوى عظيمة، إنّها تمنحهم سلوى عظيمة، إنّها تمنحهم سروراً عظيماً و إغاثةً و عوناً إلهيين
لا توجد إلاّ قصيدتان تحملان وحدهما اسم قصيدة راس الميت : القصيدة ديال راس ابن آدم، و كلاهما تعالج نفس الموضوع، و لكلّ منهما حربة لازمة، لكنّهما لشاعرين مختلفين، و أقدمهما أقلّ شيوعاً، و ليست الأحسن وضعاً . و أيضاً فإنّ ثمّ خلافاً في تعيين ناظمها، فبعضهم يزعم أنه من أصل قبيلي و أنّ ناظمها من هذا الجنس، و بعضهم ينسبها لشاعر من ندرومة عمالة وهران و اسمه بلغلموس ، المولود حوالى 1800 م بدوار أولاد الراشد و مات في سنّ الستين، و هذه حربته
إنّني جئت أستشيرك علي * منك أدري الجواب رأسَ ابن آدم
أنا أرجوك باسم ربّك قل لي * ما الذي قد جرى فإنّك أعلم
و يحكي الشاعر في القصيدتين أنّه وجد جمجمة ميّت، فأخذها و بدأ يرجو صاحبها أن يقصّ عليه كيف هلك، و هكذا ظهر له صاحب الجمجمة في نومه و صورته الحقيقية كما كان قبل موته و حكى له كلّ مغامراته
أمّا القصيدة الثانية فمعروفة جداًّ في المغرب الشرقي، و هي أطول من الأولى، و متناسقة و ناظمها مقتدر، و ليس أحلى و لا أشهى من سماع هذا الشعر الغنائي حينما يغنّيه المغاربة المدنيون مع الكمانجا أو رجال المغرب الشرقي بغيطتهم، إنّها من إنتاج شاعر فيلسوف جزائري مغربي لا يزال حيّاً ** ، عرف بقدرته و نفوذه الروحي، الشيخ قدّور بن عاشور
...
عبد العزيز عاشور
مجلّة العالم الإسلامي * يونيو 1920
ترجمة : علال الفاسي
أغنية مغربية : قصيدة رأس الميت لابن عاشور
مجلة : الثقافة المغربية
وزارة الثقافة و التعليم العالي
و الثانوي و الأصلي و تكوين الإطارات * الرباط
عدد : 5 * دجنبر 1971
ص : 21*22*23
**
قدور بن عاشور 1850م ـ 1938م
نشر ديوانه تحت عنوان ديوان الشيخ قدور بن عشور
شعر من نوع الزجل الملحون
إصدارات المكتبة الوطنية الجزائرية
الأدب الشعبي
ط 1 * 1996 * الجزائر
مصدر المقال المترجم
Abdelaziz Achour
Un chant maghribin : la qacida de la tête de mort (Ibn Achour)
in :
Revue du Monde Musulman
XXXIX, 1920
pp : 134-150
*****
جيتْ نسالك و انتايَ تردّ جوابي * حشّمتك بالله كلّمني
هذا وطنك و لاّ جيت برّاني * يا راس المحنة لله جاوبني
أداء : البارعمرو
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire