29/04/2012

عن ديوان عبد المالك المومني : ريحة لبلاد خضرا

Reggada عين الرقادة
عين الركَادة ¤ لالّة خضرا

باسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أمّا بعد:
فحمداً لله عز وجلّ، الذي وهبنا العافية لنحضر هذه الأمسية الإبداعية، في ربع عين الركَادة، الذي هو ربع طفولتنا، كما هو ربع أسلافنا، تغمدهم الله برحمته أجمعين. وشكراً للإخوان الذين أعدّوا لنا هذه الجلسة الثقافية، وشكراً للأصدقاء الذين رافقونا إلى هذه العين التي تغنّت بها الأهازيج الشعبية، وأعارت اسمها لنوع من الرقص المنكَوشي صار ذا صيت عالميّ؛ هذه العين التي ألهمت الشاعر  عبد المالك المومني ديوانه الزجلي : ريحة لبلاد خضرا، والتي إذا وقف واقف عليها، وهي على ما هي عليه الآن، ونظر إلى الأشجار التي حولها و لم ير عشّ لقلاق، ولم تصدم سمعه جعجعة رحى، ولم يسترعه خفر عذارى، فتعجّب كيف لهذه العين الباهتة الكئيبة أن تيّمت أديباً، فقصر عليها سرده في الجناح الهيمان بنبع ركَادة الوسنان، وزجله في الديوان المشار إليه؟
غير أنّ هذا الواقف لو صادف النبع فائراً لأخذه سحره، وعمي عمّا حوله من إهمال. ومثل هذا مثل الذي وقف على بويب، وهو وادٍ، في شعر السياب، ذو سحر أسطوريّ، وهو، في الواقع، مجرد وادٍ عادي، ليس به ما يأخذ بألباب الناظرين. وتفسير هذا أنّ وظيفة الفنّ، عند كثير من الفنانين، تجميل للحياة. كما لا ينبغي أن يغيب عن الذهن أنّ الرمز ليس هو المرموز. والشعر هو خلاصة الثقافة، وعصارة الذوق. فهو لذلك فنّ مركّز، يضغط في أبياته القليلة ما يوحي بالكثير إلى أصحاب الأ فهام.( توفيق الحكيم ¤ فن الأدب .(

وينطبق هذا الكلام على  ريحة لبلاد خضرا، رابع مجموعة زجلية، صادرة لشعراء زجّالين من بركان: همّ الدنيا لأحمد عزيزي، والكَصبة والطير لأحمد اليعقوبي، ويا مّا غدّا العيد ليوسف الطاهري . وقد انضافت إليها، مؤخراً، المجموعة الزجلية الثانية لشاعرنا أحمد اليعقوبي: رياح النور.

وبديوانه يثري المبدع عبد المالك المومني متن الزجل المغربي بأهزوجة محكية، منظومة في حبّ الأهل والأوطان، من كرم المحبّة و لبّ الحكمة، مسقية من نبع الحنان والرحمة.
يقول الشاعر في العتبة:

وذا الكلام أنا بغيه بْديع 
 ص: 17
... ... ...
ف حبّ لَهل ولوطان نْظمتو
من كرم لمحبّة ولبّ الحكمة
مروي من عين المحنّة والرحمة   
 ص: 18

وهو كلام مفعم بالنفحات الصوفية. يستمر شاعرنا قائلاً عن كلامه:

من محّ الروح مليتو
هي ف الظاهر
ريشة ف مهبّ الريح
تارة ب عطر لطهار فايحة
تارة من تقل لوزار طايحة
ساعة ب سرّ الحكمة قايلة
ساعة ب سكر الباطل مايلة
 ص: 19

والروح، التي ورد لفظها في الديوان اثنتي عشرة مرّة، من الكلمات المفاتيح، هي ولفظ الحال الوارد أربعاً وخمسين مرّة، وخضرا إحدى وثلاثين مرّة. وإليكم شيء من تفصيل ذلك؛ فالديوان مشكّل من عشرة أساليب نداء، هي نصوصه المعنونة بالعتبة، والدار، ومرسول، وخيال خضرا، وخليل الصغر، ولوساد، ومول حال، واوطاني وحدة، والدالية، والغرفة.

المنادي فيها هو الشاعر.

أمّا المنادى (المخاطب) فتوضيحه كما يلي:

أوّلاً: المتلقّي القارئ

ففي العتبة يدعو الشاعر المتلقي إلى قراءة كلامه بتمعّن وتفكّز:

نبغيك تعرفو وتشوفو
تعرضو صورة صورة
وتقراه سطر سطر
وتتمعّن فيه و تفكّر 
  ص: 17

كما يرجوه أن يعتمد إلى النزاهة في الحكم عليه :

يا سامع كَولي وناظر
نرجاك لا تكون جاير
وتحكم عليّ بالظاهر
  ص: 21

ويتوجّه الشاعر إلى متلقّيه، في الدالية، بالنداء، معرباً له عن سماحته قائلاً:

يا من ف ريحة لبلاد قراني
وفهم ولاّ ما فهم كَولي ومعاني
وعزم وركب بغى يلقاني
أنا بّدْني حذاك ب جنبك
وبْ قلبي معاك ف قلبك 
 ص: 92

ثانياً: مخاطّب مصنّف حسب قربه من الشاعر:

ا ـ لحباب والخلاّن؛
ب ـ الناس ولسياد و الحضرة.
ج ـ العذّال.

ثالثاً: الله عزّ وجلّ.

في نص الغرفة خاتمة الديوان، وهي خاتمة استغفاريّة تضرّعيّة، يقول الشاعر:

يا لطيف الطف ب حالي   
... ... ...
يا قوي قوّي إيماني
 ص: 99

أمّا موضوع النداء فهو التعبير عن الحال، وهو صلب الديوان. ومن هنا تكرار لفظ الحال في خاتمات نصوص الديوان كلّها. وتمثيلاً، أورد خاتمة النص الأول العتبة:

... ... ...
ويشوف العالي من حالي
را هيَ حال
واش من حال!  
 ص: 21
وخاتمة النص الأخير الغرفة:
... ... ...
ويا سعدي من صلاح حالي
وكانت حال
واش من حال!  
ص: 110

والحال المقصودة حال متيّم بمكان ارتبط به ارتباطاً وثيقاً عميقاً، ألا وهو عين الركَادة: لالّة خضرا، التي يقول عنها الشاعر ببلاغة أخّاذة:

عمت فيها أيّام صغري
وعامت فيّ طول عمري
  ص: 50

حالٌ يقول عنها صاحبها:

وحالي يا حباب سقام غرام
وغرامي هيام
ولحلام ل العارفين حقّ وإلهام 
 ص: 24

حال العشاق العذريّين، أمثال قيس وجميل، وغيرهما، المتفانين في هيامهم، المضحّين في سبيل عشقهم.
وما حبّ الأوطان بتعصّب وانغلاق:

لكن يا اهلي يا لحباب
ريحة لبلاد
 هي ريحة لبلاد
لِها جذبة
لِها محبّة
لِها سلطان
يغلب الزمان 
 ص: 63

تلك نظرة عجلى، في أزجال الصديق عبد المالك المومني، الذي بوّأ العين الوسنى مكانة إبداعيّة سامية. فهنيئاً للالّه خضرا بابنها المبدع البارّ. وهنيئاً لنا به جميعاً. وشكراً لكم، لأنّكم منحتمونا وقتاً ثميناً للإصغاء  إلى كلام عن الإبداع و الأشعار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ميلّي : 17 أبريل  2012

جمال الخلاّدي


2 commentaires:

لقلاق العين النعسانة a dit…

أخي جمال لقد أصبحت محتلا لمدوناتك فعذرا وشكرا على رحابة صدرك ومحبتك، غمرك الله بسعادة الدنيا والآخرة وأبقاك ذخرا لأهلك وصحبك

Jamal Elkhalladi جمال الخلاّدي a dit…

مدوّناتي مدوّنات أصدقائي ... وحضورهم يسعدني